الجمعة 13 سبتمبر 2024
الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

العصر الذهبي ليهود مصر.. إسرائيل تكشف أسرار نهاية الجالية في القاهرة

العصر الذهبي لليهودية
العصر الذهبي لليهودية المصرية والنهاية المفاجئة

العصر الذهبي ليهود مصر.. "العصر الذهبي لليهودية المصرية والنهاية المفاجئة" عنوان كتاب جديد صدر مؤخراً في الأسواق الإسرائيلية، يتناول تاريخ اليهود في مصر.

سلط كتاب "العصر الذهبي لليهودية المصرية والنهاية المفاجئة" الذي ألفه البروفيسور يورام ميتال من جامعة بن غوريون، يسلط الضوء على الحياة اليهودية والتراث اليهودي في القاهرة، بالإضافة إلى الأماكن المقدسة لليهود في مصر. 

الكتاب الذي يتحدث عن العصر الذهبي ليهود مصر، طُبع الكتاب الإسرائيلي الشهر الماضي بواسطة مطبعة جامعة بنسلفانيا، ويستعرض ما يصفه مؤلفه بـ "العصر الذهبي لليهود في مصر".

تمكن البروفيسور يورام ميتال من الحصول على وصول غير مسبوق إلى المعابد اليهودية في القاهرة خلال الفترة من 2017 إلى 2021، بصفته مستشاراً تاريخياً للجالية اليهودية في المدينة، وفقاً لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

زعم الكتاب أن الطائفة اليهودية كانت جزء أساسي من المجتمع والثقافة والتاريخ المصري، كما ركز على الفترة الممتدة من نهاية القرن التاسع عشر حتى خمسينيات القرن العشرين، والتي تزامنت مع الحكم البريطاني في مصر والذي جلب المزيد من الحقوق والفرص للأقليات اليهودية في البلاد.

تدفق اليهود الأشكناز من أوروبا

خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، شهدت الحياة اليهودية في القاهرة تغييرات كبيرة مع تدفق اليهود الأشكناز من أوروبا الشرقية، الذين فصلوا أنفسهم عن اليهود الشرقيين المحليين، وتم بناء أحياء جديدة في تلك الفترة، مما سمح بإنشاء مراكز ومعابد يهودية جديدة خارج القاهرة القديمة.

 مذبحة تشيسيناو 1903

وأشار ميتال إلى أنه وجد في سجلات الكنيس اليهودي "رسائل وشهادات محددة" تتعلق بالهروب من مذبحة تشيسيناو عام 1903 في عهد الإمبراطورية الروسية.

قال ميتال في مقابلة مع صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" من الولايات المتحدة، حيث يقضي العام الحالي كزميل في معهد الدراسات المتقدمة بجامعة برينستون، إن جزءاً كبيراً من الكتاب يتناول ما يصفه بـ "العصر الذهبي لليهودية المصرية". 

ويشمل هذا العصر الفترة من نهاية القرن التاسع عشر حتى الخمسينيات من القرن العشرين، وهي فترة تزامنت بشكل كبير مع الحكم البريطاني في مصر، الذي منح الأقليات اليهودية مزيداً من الحقوق والفرص.

إنشاء أحياء جديدة  لليهود في مصر 

خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، شهدت الحياة اليهودية في القاهرة تحولاً ملحوظاً بفضل تدفق اليهود الأشكناز من أوروبا الشرقية، الذين انفصلوا عن اليهود الشرقيين المحليين ، وفي تلك الفترة، تم إنشاء أحياء جديدة مكنت اليهود من بناء مراكز ومعابد يهودية جديدة خارج حدود القاهرة القديمة.

وأوضح ميتال أنه عثر في سجلات الكنيس اليهودي على "رسائل وشهادات محددة" تتعلق بالهروب من مذبحة تشيسيناو عام 1903 في عهد الإمبراطورية الروسية (العاصمة الحالية لجمهورية مولدوفا).

وأشار إلى أن "النظام الاستعماري" البريطاني منح المهاجرين الأوروبيين مزايا وحقوقاً قانونية واقتصادية، مما جعل مصر وجهة جذابة. وأضاف: "كانت مصر مركزاً تجارياً واقتصادياً رئيسياً في أوائل القرن العشرين"، موضحاً أن الوافدين الجدد اندمجوا في "المجتمع اليهودي القوي" الموجود في مصر آنذاك.

 الطائفة السفاردية

وتابع: "كانت الطائفة السفاردية، التي يتحدث أفرادها الفرنسية والعربية، مدارة من قبل عائلات متماسكة من رجال الأعمال اليهود الذين كانوا رواداً في تأسيس الصناعة والزراعة المصرية الحديثة". كما لفت إلى أن هذه العائلات الثرية شاركت أيضاً في اقتصاد فلسطين (التي كانت تحت الانتداب البريطاني آنذاك)، حيث اشترت ممتلكات وأرسلت تبرعات للشركات اليهودية هناك استعداداً لاستيلائها لاحقاً.

 طائفة القرائين واليهود الأرثوذكس

أوضح مؤلف الكتاب أن هناك طائفة يهودية ثالثة في القاهرة، وهي طائفة القرائين، التي تختلف تماماً عن اليهود الحاخامات. لم تتبع هذه الطائفة قوانين الحاخامية والأدب المقدس مثل التلمود، مما جعلها تختلف بشكل كبير عن الطوائف الأخرى. وقال ميتال: "الاحتفالات الدينية للقرائين كانت مختلفة تماماً، حيث كانوا يعتمدون على التقويم القمري مثل المسلمين، وأسماء أعيادهم كانت مغايرة تماماً لما هو متعارف عليه بين اليهود الأرثوذكس".

وأضاف ميتال أن القرائيين تحدثوا وجمعوا الوثائق باللغة العربية، وعاشوا بطريقة مشابهة جداً للمصريين الآخرين، حيث اعتبرهم المصريون أخوة لهم في الوطن وعلى الرغم من حفاظهم على عقيدتهم وعاداتهم، فقد قاموا ببناء كنيس جديد وانتقلوا من الحي اليهودي إلى أحياء جديدة، مما أدى إلى ديناميكيات اجتماعية مشابهة للطوائف الأخرى.

الأحياء اليهودية القديمة بالقاهرة

وقد أنشأ القرائيون مجتمعات جديدة وبنوا مباني جديدة في الأحياء اليهودية القديمة بالقاهرة. ومن بين المعابد القديمة المعروفة في تلك الفترة كنيس بن عزرا في حي مصر القديمة، الذي يقع بالقرب من مسجد عمرو بن العاص التاريخي، ويُعتبر مصدر "جنيزة القاهرة" الشهيرة، وهي مجموعة من الوثائق التاريخية والدينية القيمة.

يشير الكتاب إلى أنه مع نهاية القرن التاسع عشر، بدأ اليهود في مغادرة الأحياء القديمة والاستقرار في الأحياء الجديدة بالقاهرة في السابق، كان غالبية اليهود يعيشون في حي الحسين أو الجمالية. 

لكن مع التغيير، بدأت العائلات اليهودية الثرية في شراء الأراضي وبناء الفيلات في أحياء فاخرة مثل حي مصر الجديدة، بينما اشترت العائلات ذات الدخل المتواضع شققاً في مناطق أخرى.. ورغم ذلك، بقي العديد من اليهود في الحي اليهودي القديم، حيث عاشوا لأجيال.

وقال ميتال إن هذا التحول يعكس "التعامل مع الحداثة"، حيث لم يعد الانتماء الديني هو المعيار الأساسي للمكان الذي تعيش فيه، وهو ما مرّت به أقليات أخرى مثل المسيحيين الأقباط والأرمن أيضاً.

معابد يهودية في أحياء القاهرة 

قال ميتال إن اليهود قاموا بإنشاء معابد جديدة بالقرب من المناطق التي انتقلوا إليها، موضحاً: "إذا نظرت إلى التصميم المعماري والتفاصيل التي خزنتها هذه المعابد، بالإضافة إلى الأنشطة غير الدينية التي استضافتها، يمكنك ملاحظة الفجوة الاجتماعية والطرق المتنوعة التي ساهمت في تشكيل الهوية الاجتماعية والثقافية اليهودية الحديثة."

وأضاف: "على سبيل المثال، في المعابد ذات الموارد المحدودة، كان لكل مقعد لافتة تحمل رقمًا بدلاً من اسم، لأن أفراد المجتمع لم يتمكنوا من التبرع بما يكفي لشراء مقعد دائم.. في المقابل، في المجتمعات الأكثر ثراءً، كانت هناك لوحات معدنية بأسماء محددة، مما يشكل خريطة اجتماعية للنخبة اليهودية في ذلك الوقت."

وأشار ميتال إلى أن بحثه في سجلات الكنيس مكنه من إعادة بناء كيفية إقامة المجتمعات اليهودية المختلفة في القاهرة حفلات الزفاف وغيرها من الأنشطة، مما يوفر لمحة عن "الاختلافات الاجتماعية والطبقية من خلال المعابد اليهودية."

 نهاية العصر الذهبي للطائفة اليهودية 

وبخصوص نهاية العصر الذهبي للطائفة، قال ميتال: "انتهى هذا العصر الذهبي خلال جيل واحد بعد حرب عام 1948" فقد كانت حدثاً بارزاً في تاريخ المنطقة، حيث شاركت مصر بشكل مباشر في الحرب مع إسرائيل الوليدة، مما أدى إلى وضع صعب للغاية للطائفة اليهودية في مصر.

هجرة اليهود 

وأضاف أن الحرب أسفرت عن اعتقال عدة مئات من اليهود، ومصادرة بعض الممتلكات، وتزايد الخطاب ضد اليهود بشكل كبير نتيجة لذلك، غادرت آلاف العائلات اليهودية مصر.

وتابع: "بين عامي 1948 و1951، هاجر حوالي ربع المجتمع اليهودي بأكمله، وقرر أقل من نصفهم الانتقال إلى إسرائيل."

وزعم الكاتب إلى أنه بعد ثورة عام 1952 التي أطاحت بالنظام الملكي ووصل جمال عبد الناصر إلى السلطة، أدت أزمة تأميم قناة السويس في عام 1956 إلى حرب السويس مع إسرائيل وفرنسا وبريطانيا و"تم سجن آلاف الرجال اليهود الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عامًا، وتمت مصادرة العديد من الممتلكات"، مما أدى إلى موجة جديدة من الهجرة اليهودية.

كما زعم أنه "بين عامي 1956 و1962، تقلصت الجالية اليهودية في مصر بشكل كبير، ولم يتبقى بعد عام 1962 سوى بضعة آلاف، تعرضوا لمحن كبيرة بعد حرب 1967، حيث تعرض العديد من الرجال للسجن والتعذيب، مما مثل نهاية وجود الجالية اليهودية المتبقية في مصر."

وأشار ميتال إلى أن حركة الاحتجاج الجماهيرية المعروفة بـ "الربيع العربي" بين عامي 2011 و2012، التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، أثارت اهتماماً جديداً بتاريخ اليهود في مصر من خلال المسلسلات التلفزيونية والأفلام الوثائقية والروايات.

 وأوضح أن هذه الأعمال تقدم "وصفاً مختلفاً وإيجابياً للغاية" لليهود المصريين، يختلف عن "السرد الوطني السائد" للحكومة سابقاً ويتناقض مع "السرد الإسلامي الموسع".

وختم ميتال قائلاً إن الحرب الحالية في قطاع غزة والاضطرابات الإقليمية قد أوقفت تماماً ما كان "اتجاهًا إيجابيًا لإعادة تقييم الماضي اليهودي في مصر خلال العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين".

تم نسخ الرابط