مكامير الفحم، أزمة فعلية بين التراث الاقتصادي والتحديات البيئية
مكامير الفحم، في قلب الريف المصري، حيث تتناثر القرى بين الحقول الخضراء، تجد مشهدًا معتادًا يتكرر: أكوام خشبية كبيرة تُحرق ببطء تحت أكوام من التراب، مُصدرة دخانًا كثيفًا يُرى من بعيد، إنها مكامير الفحم، أحد معالم الصناعة التقليدية في مصر، التي تجمع بين التراث العريق و التحديات البيئية العصرية.
مكامير الفحم تاريخ عريق واقتصاد محلي بات يضيق
تعود صناعة الفحم النباتي في مصر إلى قرون مضت، حيث استخدم المصريون القدماء الأخشاب المحترقة لتحضير الفحم، والذي كان يُستخدم كوقود أساسي في الحياة اليومية، على مر العصور، تطورت هذه الصناعة لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد الريفي، خاصة في محافظات مثل الغربية والدقهلية وكفر الشيخ.
يعتمد العديد من سكان القرى على مكامير الفحم كمصدر رئيسي للدخل، حيث تعمل الأسر بأكملها في إعداد وتجهيز الأخشاب للحرق وتحويلها إلى فحم، ويشكل هذا النشاط موردًا اقتصاديًا مهمًا لأصحاب المكامير والعاملين فيها، فضلاً عن أنه يوفر احتياجات السوق المحلية من الفحم المستخدم في الطهي والتدفئة.
عملية الإنتاج التقليدية
تعتمد عملية إنتاج الفحم في المكامير التقليدية على حرق الأخشاب بطريقة بطيئة ومتحكم فيها، يتم ترتيب الأخشاب في أكوام كبيرة وتغطيتها بالتراب لإبطاء عملية الحرق، يستغرق تحويل الخشب إلى فحم ما بين أسبوعين إلى شهر، حسب حجم المكمورة ونوع الخشب المستخدم، تُعتبر هذه الطريقة فعّالة من حيث التكلفة وسهلة التنفيذ، لكنها تحمل في طياتها مشكلات بيئية وصحية جمة.
التحديات البيئية والصحية
مكامير الفحم، تواجه انتقادات شديدة من الناشطين البيئيين وخبراء الصحة، يُعد الدخان المنبعث من المكامير سببًا رئيسيًا لتلوث الهواء في المناطق الريفية، حيث يحتوي على مواد سامة مثل أول أكسيد الكربون والجسيمات الدقيقة التي تضر بالجهاز التنفسي للسكان المحليين.
تؤثر هذه الانبعاثات سلبًا على البيئة المحيطة، حيث تتسبب في تلوث التربة والمياه، مما يؤدي إلى تدهور المحاصيل الزراعية وتلوث مصادر المياه الجوفية، علاوة على ذلك، يعاني العاملون في مكامير الفحم من مشاكل صحية عديدة، تشمل أمراض الجهاز التنفسي وأمراض العيون والجلد نتيجة التعرض المستمر للدخان والغبار.
الجهود المبذولة للحد من الأضرار
تسعى الحكومة المصرية، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، إلى إيجاد حلول مستدامة لتقليل الآثار البيئية والصحية لـ مكامير الفحم، من بين هذه الجهود، تشجيع استخدام الأفران الحديثة لتحويل الخشب إلى فحم بطرق أكثر أمانًا وكفاءة، تتميز هذه الأفران بقدرتها على تقليل الانبعاثات الضارة بنسبة كبيرة، كما أنها تزيد من كفاءة عملية الحرق، مما يساهم في توفير الأخشاب وتحسين جودة الفحم المنتج.
التحديات أمام التحديث
رغم الجهود المبذولة، تواجه عملية تحديث مكامير الفحم العديد من التحديات، من أبرزها التكاليف المرتفعة للأفران الحديثة وصعوبة إقناع أصحاب المكامير التقليدية بتبني هذه التقنيات الجديدة، يعتمد العديد من أصحاب المكامير على طرقهم التقليدية التي توارثوها عبر الأجيال، ويخشون من المخاطر المالية المرتبطة بالتحول إلى التكنولوجيا الحديثة.
كما يواجه المزارعون والفلاحون تحديات اقتصادية تجعل من الصعب عليهم تحمل نفقات التحول إلى الطرق الحديثة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر. لذا، تحتاج الحكومة إلى توفير حوافز مالية وتسهيلات لتمويل هذا التحول، إلى جانب حملات توعية تهدف إلى توضيح الفوائد البيئية والصحية لتحديث مكامير الفحم.
نحو مستقبل مستدام؟
إن التوازن بين الحفاظ على التراث الاقتصادي لمكامير الفحم وتقليل الأضرار البيئية والصحية الناجمة عنها يمثل تحديًا كبيرًا يحتاج الأمر إلى تعاون وثيق بين الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني لتوفير حلول مبتكرة ومستدامة.
من الممكن أن تشمل الحلول المستقبلية تشجيع استخدام مصادر بديلة للطاقة مثل الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية، والتي يمكن أن تخفف من الاعتماد على الفحم النباتي كمصدر رئيسي للوقود، بالإضافة إلى ذلك، يمكن تطوير برامج تدريبية للعاملين في مكامير الفحم لتعليمهم كيفية استخدام التقنيات الحديثة بفعالية وأمان.
تعتبر مكامير الفحم جزءًا لا يتجزأ من التراث الاقتصادي لمصر، وتلعب دورًا هامًا في توفير الدخل للعديد من الأسر الريفية، ومع ذلك، فإن التحديات البيئية والصحية المرتبطة بهذه الصناعة التقليدية تستدعي جهوداً مشتركة لتحقيق توازن بين الفوائد الاقتصادية والأضرار البيئية.
يعد التحول نحو التقنيات الحديثة وتبني الممارسات المستدامة خطوة ضرورية نحو مستقبل أفضل، حيث يمكن لهذه الخطوات أن تساهم في تحسين جودة الحياة للسكان المحليين والحفاظ على البيئة للأجيال القادمة.
موقع الأيام المصرية، يقدم لكم تغطية شامل ومتنوعة لكافة الأخبار والأحداث المحلية والعالمية، فى شتى المجالات، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الرياضية، الفنية، ونرصد لكم الخدمات الهامة سعر الذهب، سعر الفضة، سعر اليورو، سعر الدولار، سعر الدينار الكويتي، سعر الريال السعودي.